الحديث الضعيف وحكمه

أقسام الحديث الشريف بالتركيز على الحديث الضعيف وحكمه

أقسام الحديث الشريف بالتركيز على الحديث الضعيف وحكمه

الإعداد: الشيخ محمد شعيب القاسمي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده  وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين

ميزة الأمة الإسلامية:

إن الأمة الإسلامية لها مزايا وخصائص لم توجد لدى أي دين من الأديان الأخرى ومنها نقل الدين بكل دقة وصحة وموصول بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله تبارك وتعالى المؤمنين بالتأكد والتثبت من الخبر قبل قبوله حيث قال: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا” (الحجرات:6). ولذا فإننا نجد بأن الدين الإسلامي المتين وكذلك جميع الشرائع الإسلامية قد نقلت من جيل إلى جيل بعد التثبت والتحري الشديد لأحوال رواتها وناقليها حيث تم تمييز الغث من السمين والحق من الباطل والصحيح من الضعيف والخرافات والأساطير وقد بدأت عملية التثبت والتحري في قبول الأحاديث النبوية منذ زمن صغار الصحابة عندما بدأ الناس يركبون الصعب والذلول كما قال حبر الأمة عبد الله إبن عباس رضي الله عنهما: ” إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا  وأصغينا إليه بآذاننا  فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف” وذلك عندما جاءه بشير العدوي وجعل يحدثه بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يستمع لحديثه ولم ينظر إليه[i].

وبعد أن انتهى عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فشا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ الإهتمام البالغ بالأسانيد وأخذ التابعون في مطالبتها بشدة كما روى أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في مسنده المعروف بسنن الدارمي عن طريق أبي العالية حيث قال: ” إن ‌كنا ‌نسمع ‌الرواية ‌بالبصرة ‌عن ‌أصحاب ‌رسول ‌الله صلى الله عليه وسلم، فلم نرض، حتى ركبنا إلى المدينة، فسمعناها من أفواههم”[ii]

العناية بالإسناد:

ومما ذكر أعلاه تظهر أهمية الإسناد الذي خص الله به أمة محمد المصطفي صلى الله عليه وسلم دون سائر الملل وقد قال أحد الأئمة الحفاظ الأثبات وهو أبو حاتم محمد إبن إدريس الرازي رحمه الله: ” ‌لم ‌يكن ‌في ‌أمة ‌من ‌الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسول إلا في هذه الأمة”[iii] وقال عبد الله بن مبارك رحمه الله مبينا أهمية الإسناد: “الإسناد ‌من ‌الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء”[iv] وبناء على هذا بدأت العناية بالإسناد وظهرت قيمته في قبول الأحاديث أو ردها ووضع العلماء معايير متينة وقوية وقواعد وضوابط دقيقة لضبط الحديث وتخليصها من تحريف المبطلين وجمعوا تلك القواعد والضوابط في مصنفات مستقلة وقد عرف هذا العلم فيما بعد بـ “علم مصطلح الحديث” و”علوم الحديث” و”أصول الحديث” و”علم دراية الحديث” وبعد أن نضجت علوم الحديث بدأ العلماء بإفرادها بالتصانيف المستقلة مثل كتاب “المحدث الفاصل بين الراوي والواعي” للقاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (360 هـ) وهو أول تصنيف في هذا الفن و”معرفة علوم الحديث” لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (405 هـ) والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (463 هـ) و”علوم الحديث” لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بإبن الصلاح (643 هـ) و”التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير” ليحيى بن شرف النووي (676 هـ) و”تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي” لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911 هـ) وغيرها من الكتب.

تنقسم علوم الحديث إلى قسمين رئيسين وهما:

1 – علم الحديث رواية: وهو يهتم بمتن الحديث ويندرج تحت هذا العلم انواع من علوم الحديث مثل المرفوع والموقوف والمقطوع وغيره من أصناف الحديث وأما القسم الثاني وهو

2- علم الحديث دراية: وقد يبحث هذا العلم السند والمتن من جهة العلم بأحوالهما وقد يشمل هذا العلم “علم الجرح والتعديل” و”علم الرجال” و”علم الطبقات” و”علم العلل” و”علم التخريج وسبر الأسانيد” وعلوم أخرى تتعلق بالحديث من ناحية ضبطه وكيفية تحمله وأدائه ومعرفة ناسخه ومنسوخه وغريبه وغير ذلك.

ينقسم الحديث من حيث القبول والرد إلى اقسام عديدة وهي:

1 – الحديث الصحيح: وهو الحديثُ المُسْنَدُ الذي يتَّصِل إسنادُه بنَقْل العدل الضَّابِطِ عن العَدْل الضابط إلى مُنتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا مُعلَّلًا.

2 – الحديث الصحيح لغيره: هو الحديث الحسن لذاته إذا روي من وجه آخر مثله أو أقوى منه بلفظه أو بمعناه، فإنه يتقوى ويرتقي من درجة الحسن إلى الصحيح، ويسمى الصحيح لغيره.

3 – الحديث الحسن: هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل عدل خف ضبطه فلا يصل إلى ضبط راوي الصحيح وغير شاذ ولا معلل.

4 –  الحديث الحسن لغيره: هو الحديث الذي يوجد في طبقة من طبقات الإسناد راو ضعيف وجاء راو آخر مثله ضعيف شرط أن لا يكون سبب ضعبف الراوي فسقه أو كذبه فاعتضد به وتقوى به وهكذا يرتقي الحديث إلى مرتبة الحسن حيث انجبر الضعف وذلك لأن الحديث قد ورد من طريق آخر.

5 – الحديث الضعيف: هو الحديث الذي فقد صفة من صفات الحديث الصحيح أو الحسن وهي العدالة، الضبط، الاتصال، فقذ الشذوذ، فقد العلة القادحة، وجود العاضد عند الاحتياج إليه كما يتنوع الحديث الضعيف إلى أنواع كثيرة وذلك بحسب فقده واحدة أو أكثر أو جميع صفات الصحة فينقسم إلى المقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل.

6 – الحديث الموضوع: هو المختلق المصنوع المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعده من الصحابة والتابعين ويسمى حديثا لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ينقسم الحديث من حيث السند إلى ثلاثة أقسام وهي:

1 – الحديث المتواتر: وهو الحديث الذي نقله جمع عن جمع يؤمن تواطئهم على الكذب وهو يخصص العام من القرآن الكريم ويقيد المطلق وينسخ ويبين.

2 – الحديث المشهور: وهو الحديث الذي رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحابي أو إثنان أو جمع يبلغ حد التواتر ثم ثم رواه عن هولاء جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، فالحديث المشهور كان أحاديا في الطبقة الأولى، ثم تواتر فيما بعد في الطبقة الثانية والثالثة، فالجمهور يعتبروه في حكم حديث الآحاد، ويأخذ حكمه، أما الحنفية فقالوا أن له مرتبة مستقلة بين الحديث المتواتر والآحاد.

3 – الحديث الآحاد: وهو ما رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم شخص أو شخصان أو عدد لم يصل حد التواتر، ثم رواه عن هولاء مثلهم، فلم يجتمع فيه شروط المتواتر. وهذا القسم من الآحاديث هو الغالبية العظمى من السنة.

فكرة خاطئة عن الحديث الضعيف:

وقد كثر الكلام في الحديث الضعيف من حيث العمل به و رده وكذلك اختلف علماء الحديث في موضوع قبوله في فضائل الأعمال ودارت ولا تزال تدور مناقشات ومباحث طويلة بين العلماء كما لوحظ ويلاحظ التعصب المذهبي العنيف من قبل بعض الناس في هذ الأمر فهم يرون العمل بالحديث الضعيف بدعة ويوجهون إنتقادا لاذعا لمن يخالفهم. وفي بعض الأحيان يؤدي تعصبهم الأعمى إلى إلقاء الشتائم والشعارات المسيئة على العلماء وأئمة الحديث وكل ذلك وراء ستار العمل بالحديث الصحيح وزعمهم أن العمل بالحديث الضعيف في الفضائل هو إختراع عبادة في الدين وهم يتجاهلون الحقيقة بأن إستحباب ذلك العمل معلوم من القواعد الشرعية والعمل بالحديث الضعيف لايثبت شيئا جديدا. ومما لا يشك فيه بأنهم يلتبسون الحق بالباطل أو كما قال علي كرم الله وجهه: “كلمة حق يراد بها باطل” وذلك ردا على قولة الخوارج “لا حكم إلا لله” فهم يشرحون الحديث الضعيف بطريقة توحي بأنه الحديث الموضوع وكذلك يضلون العوام السذج ولكن إذا تأمل أي أحد من طلاب العلوم الشرعية في الشروط التي وضعها العلماء للعمل بالحديث الضعيف، يجد بأنه لم يحكم بكذب الحديث الضعيف قطعيا. يهديهم الله إلى طريق الصواب.

تعريف الحديث الضعيف:

ووفق ما ذكر أعلاه في تعريف الحديث الضعيف فإنه يضعف حديثا بسبب فقده شرطا من شروط الحديث الصحيح أو الحسن وفي الحقيقة فإن قاعدة المحدثين في تضعيف حديث تظهر إحتياطهم في شروطهم لقبول الحديث. دعنا نأخذ شرط “فقد الاتصال” على سبيل المثال فإن الحديث يضعف لأن الشخص المفقود لا يعرف حاله ولكنه من الإحتمال أن يكون من الثقات كما يحتمل أن يكون من الضعفاء وكذلك يتم تضعيف الحديث بسبب سوء حفظ الراوي بينما كان صادقا وأمينا فهذا لا يعني أنه قد أخطأ فيه حتما بل يحتمل أن يكون قد أصاب ولكن يحكم على روايته بالضعف وذلك بسبب التخوف القوي من وقوع الخطأ فيه.

وعلى  كل حال فإن مصطلح “ضعيف” يشمل كل حديث مردود مهما كان سبب رده ولكن بما أن أسباب الضعف تتفاوت قوتها في توهين الحديث فإن مراتب الحديث الضعيف تتفاوت بحسب ذلك فمنه الضعيف أيسر الضعف حتى يكاد يحكم بحسنه ومنه ضعيف أشد الضعف[v] وخلاصة القول أنه هناك انواع كثيرة من الحديث الضعيف ولكن المحدثين أدرجوا كل هذه الصور تحت الضعيف.

ومما يجدر بالذكر بأنه كما يتفاوت ضعف الحديث بسبب ضعف الرواة يتفاوت باعتبار فقد الصفات الأخرى بحسب الصفة أو الصفات المفقودة وقد ميز المحدثون بين مراتب الضعف الناشيء من القدح في رجاله، فهناك الضعف الذي يقبل التقوية وهذا يسمونه ضعيفا أيا كان سبب ضعفه، وهناك الضعف الشديد الذي لا ينجبر وهذا يطلقون عليه أيضا الضعيف ويؤخذ من تعابيرهم تمييزه كقولهم ضعيف جدا. أو فيه فلان متروك أو متهم إلا أن كثيرا من المحدثين ميزوا بعض حالات الضعيف بألقاب خاصة بها هي: “المنكر، المتروك، المطروح” واتفقوا على تمييز الضعف الأخس وهو الكذب المختلق بلقب خاص هو “الموضوع”.

هل يؤدي ضعف السند إلى ضعف المتن حتميا وكذلك العكس؟

ليس من اللازم أن يكون المتن ضعيفا في حال ضعف السند كما قال المحدثون وكذلك لا يلزم أن يكون المتن صحيحا في حال صحة السند حيث من الممكن أن يكون المتن صحيحا لوروده من طريق آخر بينما كان سنده ضعيفا وكذلك يمكن أن يكون السند صحيحا والمتن غير صحيح بسبب وجود شذوذ أو علة في المتن وأجمل ما قيل عن هذا الموضوع هو ما ذكر في كتاب “منهج النقد في علوم الحديث” للدكتور نور الدين عتر: “لذلك قالوا: إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول: ضعيف بهذا الإسناد. وليس لك أن تقول هذا ضعيف كما يفعله بعض المتمجهدين في هذا العلم الشريف، وتعني به ضعف متن الحديث بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد، فقد يكون الحديث مرويا بإسناد آخر صحيح يثبت بمثله الحديث، بل يتوقف جواز الحكم بضعف الحديث على حكم إمام من أئمة الحديث الحفاظ بأنه لم يرو بإسناد يثبت به، أن الحكم المطلق عليه بأنه حديث ضعيف. أو نحو هذا مفسرا وجه القدح فيه، أما إذا حكم عليه بالضعف ولم يفسر سببه فإن الحكم فيه هو حكم الجرح غير المفسر الذي بيناه سابقا[vi]“.

حكم الحديث الضعيف:

كان هناك إختلاف كثير بين العلماء في موضوع العمل بالحديث الضعيف وتوجد مناقشات طويلة في كتب أصول الحديث وبالإيجاز فإنه هناك ثلاثة مذاهب في العمل بالحديث الضعيف وهي:

1 – يعمل بالحديث الضعيف مطلقا:

هذا يعني يعمل به في جميع ما يتعلق بأمور الدين من الحلال والحرام والفرائض والواجبات بشرط أن لا يوجد إلا هذا الحديث الضعيف وقد نسب هذا المذهب إلى بعض الأئمة الأجلة من المحدثين مثل الإمام أحمد وأبي داود رحمهما الله حيث قال الإمام أحمد رحمه الله: ” إن ضعيف الحديث أحب إليه من رأي الرجال لأنه لا يعدل إلى القياس إلا بعد عدم النص”[vii] ولكن يلزم ان يعرف بأنه يحمل هذا على الحديث الضعيف وليس على الحديث الذي يوجد فيه شديد الضعف وذلك لأنه متروك عند علماء الحديث وكذلك يجب أن لا يكون هناك ما يعارضه.  قال ابن منده: “وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال”.

2 – لا يجوز العمل بالحديث الضعيف مطلقا لا فضائل الأعمال ولا في الحلال والحرام:

 نسب هذا المذهب إلى القاضي أبي بكر بن العربي، وقال به الشهاب الخفاجي والجلال الدواني، ومال إليه بعض العصريين من الكاتبين مستدلا بأنها كالفرض والحرام لأن الكل شرع، وأن في الأحاديث الصحاح والحسان مندوحة عن الأحاديث الضعيفة[viii].

3 – يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال من المستحبات والمكروهات:

هذا هو مذهب جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم، وحكى الاتفاق عليه بين العلماء الإمام النووي  والشيخ علي القاري وابن حجر الهيتمي[ix]. ولكن هناك شرائط وضعها العلماء للعمل بالحديث الضعيف مثل أن لا يكون الضعف في الحديث شديدا وكذا خرج حديث الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه ويكون الحديث مندرجا تحت أصل عام فيخرج الحديث الذي لا أصل له وكذلك يلزم على العامل بالحديث الضعيف أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله[x]. وعلى موضوع العمل بالحديث الضعيف قال شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد المعروف بـ إبن حجر الهيتمي رحمه الله: “قد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لأنه إن كان صحيحا في نفس الأمر فقد أعطي حقه من العمل به. وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم ولا ضياع حق للغير[xi]” ومن اللازم أن يعرف بأن الأحكام وفضائل الأعمال هي متساوية في حاجتها إلى السند ولكن يشدد في قبول السند في أمور تتعلق بالأحكام من الحلال والحرام ويقبل السند الضعيف في فضائل الأعمال.

 وقد يؤيد هذا المذهب ما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله كما رواه الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه “الكفاية في علم الرواية”: “‌إذا ‌روينا ‌عن ‌رسول ‌الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد[xii]” وكذلك قال الشيخ الفقيه المحدث نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان المعروف بـ ملا علي القاري رحمه الله: “فإن الحديث الضعيف معتبر في فضائل الأعمال عند جميع العلماء  من أرباب الكمال”[xiii]

وقد ذكر أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي رحمه الله في كتابه ” التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث”: “ويجوز ‌عند ‌أهل ‌الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى والأحكام كالحلال والحرام وغيرهما وذلك كالقصص، وفضائل الأعمال، والمواعظ وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام”[xiv] وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله عن الحديث الضعيف أنه يعمل به إذا لم يوجد غيره كما نقل عنه أيضا: “ضعيف الحديث أحب إلينا من رأى الرجال” وكذلك ذكر ابن حزم أن جميع الحنفية مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن ضعيف الحديث أولى عنده من الرأي والقياس[xv].

وقد نقل عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري أنه قال: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا ولم يحل حراما ولم يوجب حكما وكان في ترغيب أو ترهيب: أغمض عنه وتسهل في رواته” وكذلك نقل عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: “ابن إسحاق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث – يعني: المغازي – ونحوها، وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا، وقبض أصابع يديه الأربع” ولكنه احتج رحمه الله بالضعيف حيث لم يكن في الباب غيره، وتبعه أبو داود وقدماه على الرأي والقياس، ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك، وأن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره [xvi].

وقد أوضح أبو الحسنات اللكنوي محمد عبد الحي بن محمد عبد الحليم الأنصاري الهندي موضوع العمل بالحديث الضعيف خير إيضاح إذ قال: “إذا وجد حديث ضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ولم يكن هذا العمل مما يحتمل الحرمة أو الكراهة فإنه يجوز العمل به ويستحب لأنه مأمون الخطر ومرجو النفع إذ هو دائر بين الإباحة والاستحباب فالإحتياط العمل به رجاء الثواب[xvii]

وخلاصة القول أن العلماء قديما وحديثا لم يختلفوا في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والرقائق والترغيب والترهيب وعليه إجماع علماء الأمة منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم حتى نهاية عصر تدوين الحديث اللهم إلا إختلاف آرائهم من حيث العمل بالحديث الضعيف في الأحكام فبعض علماء الأمة من محدِّثين وفقهاء وغيرهم يأخذون به حتى في الأحكام وذلك في حالة عدم تواجد الحديث الصحيح أو الحسن حيث يرون بأن الأخذ بالحديث الضعيف هو أولى من رأي الرجال.

ولذا فإن من ينكر إنكارا شديدا على من يعمل بحديث ضعيف ويعتبره مبتدعا ومخالفا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو بعيد عن منهج السلف الصالح ويطعن في جميع علماء الأمة الذين أدخلوا الأحاديث الضعيفة في كتبهم بينما كانوا أتقى وأخوف وأحرص على حفاظ الأحاديث النبوية الشريفة ممن جاء بعدهم فعليه وعلى أمثاله أن يخلعوا نظارة التعصب الأعمى ويعيدوا النظر فيما قاله علماء الأمة من السلف عن الحديث الضعيف. والله أعلم


الهوامش

[i] النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري. (1334). الجامع الصحيح ، (رقم  الصفحة: 10)  تركيا: دار الطباعة العامرة

[ii] الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن. (1433). سنن الدارمي، ط1، (رقم: 583)  المملكة العربية السعودية: دار المغني للنشر والتوزيع

[iii] السخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي. (1424). فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي، ط1، (3/330)  مصر: مكتبة السنة

[iv] النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري. (1334). الجامع الصحيح ، (رقم  الصفحة: 12)  تركيا: دار الطباعة العامرة

[v] عتر، نور الدين. (1401). منهج النقد في علوم الحديث، (رقم  الصفحة: 288)  دمشق – سورية : دار الفكر

[vi] عتر، نور الدين. (1401). منهج النقد في علوم الحديث، (رقم  الصفحة: 291)  دمشق – سورية : دار الفكر

[vii] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين. ( 1431 – المكتبة الشاملة). تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، ط2، (1/264) دار طيبة

[viii] عتر، نور الدين. (1401). منهج النقد في علوم الحديث، (رقم  الصفحة: 294)  دمشق – سورية : دار الفكر

[ix] عتر، نور الدين. (1401). منهج النقد في علوم الحديث، (رقم  الصفحة: 293)  دمشق – سورية : دار الفكر

[x] السخاوي، شمس الدين أبو االخير محمد بن عبد الرحمن. (1431 بالشاملة). القَولُ البَدِيعُ في الصَّلاةِ عَلَى الحَبِيبِ الشَّفِيعِ ، (رقم  الصفحة: 255)  دار الريان للتراث

[xi] عتر، نور الدين. (1401). منهج النقد في علوم الحديث، (رقم  الصفحة: 293)  دمشق – سورية : دار الفكر

[xii] البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. (1357). الكفاية في علم الرواية، (رقم  الصفحة: 134)  حيدر آباد – الدكن: جمعية دائرة المعارف العثمانية

[xiii] اللكنوي، أبو الحسنات محمد عبد الحي. (1428). الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، (رقم  الصفحة: 38)  حلب – سورية : مكتب المطبوعات الاسلامية

[xiv] النووي، أبو زكريا محي الدين يحيى شرف. (1357). التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث ، (رقم  الصفحة: 48)  بيروت: دار الكتاب العربي

[xv] السخاوي، شمس الدين أبو االخير محمد بن عبد الرحمن. (1431 بالشاملة). القَولُ البَدِيعُ في الصَّلاةِ عَلَى الحَبِيبِ الشَّفِيعِ ، (رقم  الصفحة: 255)  دار الريان للتراث

[xvi] السخاوي، شمس الدين أبو االخير محمد بن عبد الرحمن. (1424). فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي ، (رقم  الصفحة: 50-349)  مصر: مكتبة السنة

[xvii] اللكنوي، أبو الحسنات محمد عبد الحي. (1428). الأجوبة الفاضلة للأسئلة االعشرة الكاملة، (رقم  الصفحة: 58)  حلب – سورية : مكتب المطبوعات الاسلامية

Join our list

Subscribe to our mailing list and get interesting stuff and updates to your email inbox.

Thank you for subscribing.

Something went wrong.

Leave a Reply