قصة الإسراء

قصة الإسراء والمعراج وتاريخ الإسراء والمعراج

قصة الإسراء والمعراج

 معنى الإسراء: هو المشي ليلا، ومعنى المعراج: هو الصعود، وبما أن معجزة الإسراء به  صلى الله عليه وسلم تمت ليلاً أطلق عليها اسم الإسراء، كما أن كلمة عرج بي جاءت في الأحاديث بمعنى صعد به لذا أطلق عليه كلمة المعراج.يتضح من دراسة أحوال الأنبياء الروحانية أنهم يحصلون على هذا المقام الرفيع من الإسراء والمعراج، وبذلك تأتي أمامهم كل المشاهد الخفية في السماء والأرض، ويصعدون مع الملائكة في حضرة الذات العلية، طبقاً لمراتبهم ومنازلهم يحصل كل منهم على الفيض الإلهي.وعندما أعطي إبراهيم عليه السلام مقام النبوة جاء النداء الرباني: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 75]، وهذا هو الإسراء والمعراج.وقد ورد في التوراة فيما يتعلق بسيدنا يعقوب عليه السلام: أنه خرج من بئر “سبع” وسافر إلى “حاران”، وهناك استراح في مكان ما بعد غروب الشمس، ووضع حجراً تحت رأسه ونام، رأى رؤية أن هناك سُلَّماً في السماء والأرض، وكانت الملائكة تنزل وتصعد عليه، وكان الله يقف عليه فخاطبه بقوله: أنا الرب إله إبراهيم أبيك، وإله إسحاق، والأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها[1].لقد رأى سيدنا موسى عليه السلام ظل ربه على جبل الطور، وهناك كان معراجه، وفي أناجيل النصارى توجد بالتفصيل مشاهدات الرسول بعض المشاهد الروحية، وبعض أحداث القيامة، من الجنة والنار.تظهر من هذه التفاصيل أن الرحلات الملكوتية والإسراء والمعراج كانت دائما من حياة الأنبياء، والمدعين بالقرب إلى الله، وحصل كل واحد على هذا الفيض الرباني طبقاً لرتبته ومنصبه.

المعراج النبوي

بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء، وسيد ولد آدم عليه السلام، وبناء على هذا منح شرف الوصول إلى الحضرة الربانية التي لم تصل إليها قدم ابن آدم قبله، وشاهد بعض الأشياء في الذات الإلهية التي لم يتيسر لأي من المقربين إلى الله قبل ذلك.

تاريخ الإسراء والمعراج

قد ذهب جمهور العلماء إلى أن المعراج وقع مرة واحدة، وإليه تشير الروايات الصحيحة، وذهب بعض العلماء إلى أن المعراج قد تعدد وقوعه، والأصل في ذلك أن هناك اختلافا كثيرا في جزئيات واقعة المعراج، ولذا حمل القائلون بتعدد المعراج كل جزء على معراج علاحدة لـتزيل الاختلافات التي وقعت فيما بين الروايات، ولكن الحقيقة أن هذا مجرد افتراض لا علاقة له بالواقع، لأن الروايات الصحيحة ليست فيها أي إشارة إلى تعدد المعراج، ومثل هذه الواقعة التي وقعت في بداية الإسلام كان المسلمون حينئذ قليلين متفرقين مشتتين فكراً وأحوالاً، وأكثر رواتها الصحابة الذين لم يكونوا قد وُلِدوا بعد، أو كانوا صغاراً، أو هم أهل المدينة لم يكونوا على علم تام بالأحداث التي وقعت ما قبل الهجرة، فلا بُعْدَ في مثل هذه الواقعة أن توجد اختلافات في جزئياته، ولا حاجة إلى تطبيق جميع الروايات، لأنه لا يوجد شك حول حدوث أهم أجزاء هذه الحادثة.وقد ذكر بعض أرباب السير أن المعراج قد حدث مرتين: إحداهما: الإسراء، والثانية: المعراج، وجاء ذكر الإسراء في القرآن، بينما جاء ذكر المعراج في الأحاديث، والإسراء قد احتوى على رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، وهذه الرحلة تمت في حالة اليقظة، والمعراج كانت رحلته صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وثبت من بعض الروايات أنها كانت رؤية.

وبالجملة: أن هذا لا يخرج عن حيز الاستنباط والقياس، وألفاظ القرآن الكريم يمكن تأويلها على أنه رؤية ويقظة في نفس الوقت، وعلى هذا فليس هناك شك في أن المعراج قد تم مرة واحدة، والقول بتعدد المعراج لغوٌ لا سند له، ويخالف سياق الأحاديث.وهناك صعوبة في تحديد وقت المعراج، لأنه وقع قبل الهجرة في الوقت الذي لم يكن التاريخ والسنة مدونين، ولم يكن هناك تقويم لدى العرب قبل الإسلام في حين أن توقيت المعراج قد تم ليلاً، وهذا الأمر لا شك فيه ولا شبهة، ولكن لا توجد فيما بين المحدثين رواية صحيحة في تحديد اليوم والتاريخ حول المعراج، إلا أن جميع الروايات قد اتفقت على أن حادثة الإسراء قد تمت بعد البعثة النبوية وبداية نزول الوحي قبل الهجرة في مكة المكرمة.وأما فيما يتعلق بالشهر الذي حدثت فيه واقعة الإسراء فهناك خمسة أقوال لأهل السيرة، بعضهم قال: إنها حدثت في ربيع الأول، وذهب البعض إلى أنه في ربيع الآخر، وقد حدد البعض شهر رجب، وقال البعض: بأنه شهر رمضان أو شوال. وعلى كل حال فإن أكثر الرواة ذهبوا إلى أن الهجرة قد تمت في شهر ربيع الأول من السنة الأولى من الهجرة، أو قبل سنة ونصف منها، والإمام البخاري لم يحدد أي تاريخ في صحيحه بل ذكر واقعة المعراج فيما بين الوقائع كآخر الأحداث التي حدثت قبل الهجرة، ونحا نحوه ابن سعد في سيرته، وبهذا يظهر منشأ هذين الإمامين في أن المعراج حدثت قبل الهجرة سواء بعام أو عام ونصف، أو لاحقاً بسنتين. وأما تقييد الشهر فهو أمر صعب، لأنه من يقول: بأنها وقعت قبل الهجرة في ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة فإذا أضفنا ربيع الأول طبقاً لرأيهم فحادثة المعراج تكون في ربيع الآخر، ولو لم نضفه فيسظل ربيع الأول هو شهر وقوع المعراج، ولو اخترنا شهر رجب كما هو مشهور معروف ومعمول به فحادثة المعراج تكون قبل الهجرة بسنة وستة أشهر.

الأحاديث الصحيحة في واقعة المعراج

 وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء، وعدد الأمام الزرقاني أسماء خمسة وأربعين من الصحابة، وفي الصحاح الستة ذكرت حادثة المعراج مستقلة مختصرةً، فذكرها البخاري ومسلم مستقلة، ووردت ضمناً وبشكل مختصر في النسائي والترمذي وغيرهما في أبواب متفرقة، وقد نقل البخاري ومسلم رواية حادثة المعراج عن ستة من أكابر الصحابة عن: أبي ذر، ومالك بن صعصعة، وانس بن مالك، وابن عباس،، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، وفي الصحيحين[2] عن أنس بن مالك، قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله        صلى الله عليه وسلم قال: ” فرج عن سقف بيتي[3] وأنا بمكة، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل: لخازن السماء افتح، قال: من هذا؟ قال هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول: ففتح، – قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات آدم، وإدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم صلوات الله عليهم، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة. قال أنس:  فلما مر جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت من هذا؟ قال: هذا إدريس، ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى، ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى، ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم “.

ما الحكمة في لقاء هؤلاء الأنبياء؟

قال الحافظ في الفتح[4]: وقد اختلف في الحكمة في اختصاص كل من هؤلاء الأنبياء بالسماء التي تلقاه بها، فقيل أمروا بملاقاته، فمنهم من أدركه في أول وهلة، ومنهم من تأخر فلحق، ومنهم من فاته.وقيل: الحكمة في الاقتصار على هؤلاء الأنبياء المذكورين: للإشارة إلى ما سيقع له -صلى الله عليه وسلم- مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم:أ – فأما آدم عليه السلام فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- من الهجرة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن، ثم كان مآل كل منهما أن يرجع إلى موطنه الذي أخرج منه.ب- وبعيسى ويحيي عليهما السلام على ما وقع له -صلى الله عليه وسلم- من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم على البغي عليه وإرادتهم وصول السوء إليه.ج- وبيوسف عليه السلام على ما وقع له -صلى الله عليه وسلم- من إخوته من قريش في نصبهم الحرب له وإرادتهم هلاكه، وكانت العاقبة له، وقد أشار إلى ذلك -صلى الله عليه وسلم- بقوله لقريش يوم الفتح: “أقول كما قال يوسف: لا تثريب عليكم. . . “.د – وبإدريس عليه السلام على رفيع منزلته -صلى الله عليه وسلم- عند الله.هـ – وبهارون عليه السلام على أن قومه -صلى الله عليه وسلم- رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه.و- وبموسى عليه السلام على ما وقع له من معالجة قومه، وقد أشار -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك بقوله: “لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر”.ز – وبإبراهيم عليه السلام في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له -صلى الله عليه وسلم- في آخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت.

افتراض الصلوات الخمس

وقد ورد في الصحيحين أيضاً:[5] قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم، أن ابن عباس، وأبا حبة الأنصاري، كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام»، قال ابن حزم، وأنس بن مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي، حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي؟ ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبايل[6] اللؤلؤ وإذا ترابها المسك “.

دراسة رواية أبي ذر ومالك بن صعصة

إن هذه الرواية هي أقدم الروايات وأصحها في حادثة المعراج، وتلتها رواية مالك بن صعصعة، وفيها العديد من الأمور الزائدة عن الرواية الأولى، ولا يوجد تصريح في رواية أبي ذر من أن الحادثة تمت في اليقظة أو في المنام، بل فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بين اليقظة والنوم، وفي الرواية الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أن سقف البيت قد فتح فنزل منه جبريل عليه السلام، وفيها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مستلقياً في حجر أو حطيم وجاءه جبريل، كما أنه لا يوجد في رواية أبي ذر ذكر البراق، ويوجد في هذه الرواية، وفي رواية أبي ذر فلم يذكر فيه منازل الأنبياء، وذكر في هذه الرواية أسماء الأنبياء، وفي رواية أبي ذكر كان تخفيف الصلوات ثلاث مرات، وفي هذه الرواية ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى لتخفيف الصلاة خمس مرات.والحقيقة أن الفرق في الروايتين أن إحداهما تعتمد على الإجمال، والثاني على التفصيل، ففي رواية أبي ذر إجمال، وفي رواية مالك بن صعصعة قدر من التفصيل.

ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل الله تعالى؟

روى الإمام مسلم في صحيحه[7] عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: ….. فأعطي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا، المقحمات[8].

صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ومتى صلى بهم؟

ثم هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء إلى الأرض، ودخل بيت المقدس، فكان هناك جمع من الأنبياء، فصلى بهم صلاة الصبح، قاله ابن كثير في تفسيره[9]،  وقال الحافظ في الفتح[10]: والأظهر أن صلاته -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت قبل العروج إلى السماوات، قال ابن كثير في البداية والنهاية[11]: ثم هبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس، والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريما له، وتعظيما عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هي عادة الوافدين لا يجتمعون بأحد قبل الذي طلبوا إليه، ولهذا كان كلما مر على واحد منهم يقول له جبريل عليه السلام عندما يتقدم ذاك للسلام عليه: هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده لما احتاج إلى التعرف بهم مرة ثانية، ومما يدل على ذلك أنه قال: فلما حانت الصلاة أممتهم، ولم يحن وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر، فتقدمهم إماما بهم عن أمر جبريل عليه السلام فيما يرويه عن ربه عز وجل، فاستفاد بعضهم من هذا أن الإمام الأعظم يقدم في الإمامة على رب المنزل حيث كان بيت المقدس محلهم ودار إقامتهم.

هل رأى رسول الله  صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء؟

اختلف العلماء قديماً وحديثاً في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة الإسراء والمعراج، على قولين مشهورين: أنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وطائفة، وأثبتها ابن عباس وطائفة.قد وقع هذا الاختلاف بآيات لسورة النجم، يقول الله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 5 – 18]لهذه الآيات ذهب كثير من الصحابة منهم عائشة، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير الله تعالى في ليلة الإسراء بل رأى جبريل عليه السلام، وذهب طائفة أخرى من الصحابة منهم عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى نفسه.

دليل المانعين

روى الشيخان في صحيحيهما[12] عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه هل رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه؟ فقالت: لقد قف[13] شعري مما قلت، أين أنت[14] من ثلاث من حدثكهن فقد كذب:من حدثك أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه؟ فقد كذب، ثم قرأت: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}  {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}.ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت {. . . وما تدري نفس ماذا تكسب غدا}.ومن حدثك أنه -صلى الله عليه وسلم- كتم فقد كذب، ثم قرأت {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}. وأخرج الشيخان[15] كذلك عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: في قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى}، قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل له ستمائة جناح.وروى الإمام مسلم[16] في صحيحه عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل رأيت ربك؟ قال: “نور أنى أراه”.

دليل القائلين

وروى الإمام مسلم في صحيحه[17] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى}،  وقوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى}، قال: رآه بفؤاده مرتين.وروى الترمذي[18] عن ابن عباس، في قول الله: {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى} {فأوحى إلى عبده ما أوحى} {فكان قاب قوسين أو أدنى} قال ابن عباس: قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم.وروى الترمذي[19] أيضا عن الشعبي قال: قال: لقي ابن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين.وورد في الترمذي[20] أيضاً: أن مسروقا ذهب إلى عائشة رضي الله عنها وأخبرها ما قاله ابن عباس، واعترضت وعليه  وقالت: إنما هو جبريل، من أخبرك أن محمدا رأى ربه، أو كتم شيئا مما أمر به فقد أعظم الفرية، أما تعلم ما قال جلا وعلا: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] ولكنه صلى الله عليه وسلم  رأى جبريل، لم يره في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في جياد له ست مائة جناح قد سد الأفق.وقد عرض عكرمة هذه الآية التي استدلت بها عائشة أمام ابن عباس، فقال ابن عباس: إن هذا صحيح، ولكن عندما ظهر ربنا في نوره الحقيقي.

التطبيق بين القائلين والمانعين

قال الحافظ في “الفتح”[21]: ويمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب، ويؤيد ذلك ما رواه مسلم من طريق عطاء عن بن عباس قال رآه بقلبه، وأصرح من ذلك ما أخرجه بن مردويه من طريق عطاء أيضا عن بن عباس قال لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله على الدوام بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين.

التوقف في مسألة الرؤية

قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء[22] في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: “رأيت ربي”: ما قيد الرؤية بالنوم، وبعض من يقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه ليلة المعراج يحتج بظاهر الحديث، والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها، فنقف عن هذه المسألة، فإن “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”، فإثبات ذلك أو نفيه صعب، والوقوف سبيل السلامة، والله أعلم، وإذا ثبت شيء قلنا به، ولا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا، ولا من نفاها، بل نقول: الله ورسوله أعلم، بل نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله تعالى في الآخرة ثبتت بنصوص متواترة.


الهوامش

[1] التوراة، التكوين، إصحاح: 28، فقرة: 13.

[2] صحيح البخاري (349)، وصحيح مسلم (163).

[3] هناك اختلاف في تحديد هذا الموضوع أثناء حدوث المعراج، وورد في الصحيحين في رواية أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد الحرام، وكان في الموضع الخارجي للكعبة والذي يعرف بحجر أو حطيم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً فيه، وورد في معجم أبي يعلى الموصلي (ص: 43) من رواية أم هانئ أنها قالت: إن المعراج قد تم في بيتي، وفي هذه الرواية الكلبي الكذاب المشهور، فلا يعتبر بها، وكذلك ذكر صلاة العشاء في الروايات خطأ ولغو، لأن الصلوات الخمس فرضت في واقعة المعراج، كما تشير إليها روايات الصحيحين، فلا اعتبار لهذه الروية بجانب روايات الصحيحن. ولا يوجد شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في الكعبة في ليلة المعراج، وجاء في رواية أبي ذر كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مكة وأن سقف البيت قد فتح ونزل منه جبريل، فالتأويل الصحيح عندنا لهذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل كان يستريح في الكعبة، ولكن المشاهدات التي رآها كانت كانت كأنه كان في بيته، وأن سقف بيته قد فتح ونزل منه جبريل عليه السلام.

[4] فتح الباري لابن حجر (7/ 210-211).

[5] صحيح البخاري (349)، وصحيح مسلم (163).

[6] قال الحافظ في الفتح (2/ 10): كذا وقع لجميع رواة البخاري في هذا الموضع بالحاء المهملة ثم الموحدة، وبعد الألف تحتانية ثم لام، وذكر كثير من الأئمة أنه تصحيف وإنما هو (جنابذ) كما وقع عند المصنف -أي البخاري- في أحاديث الأنبياء – باب ذكر إدريس عليه السلام – رقم الحديث (3342) من رواية ابن المبارك وغيره عن يونس.

وقال ابن الأثير في النهاية (1/ 294 – 322): هكذا جاء في كتاب البخاري، والمعروف جنابذ اللؤلؤ، والجنابذ جمع جنبذة: وهي القبة.

[7] صحيح مسلم (173).

[8] المقحمات: الذنوب العظائم الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها، والتقحم الوقوع في المهالك.

[9] انظر تفسير ابن كثير (5/ 31).

[10] انظر فتح الباري (7/ 209).

[11] انظر البداية والنهاية (3/ 113).

[12] صحيح البخاري (4855)، صحيح مسلم (177).

[13] أي قام من الفزع،

[14] أي كيف يغيب فهمك عن هذه الثلاث؟

[15] صحيح البخاري (4857)، صحيح مسلم (174).

[16] صحيح مسلم (178).

[17] صحيح مسلم (176).

[18] سنن الترمذي (3280).

[19] سنن الترمذي (3278).

[20] المصدر السابق.

[21] فتح الباري لابن حجر (8/ 608).

[22] سير أعلام النبلاء (10/ 114).

Join our list

Subscribe to our mailing list and get interesting stuff and updates to your email inbox.

Thank you for subscribing.

Something went wrong.

Leave a Reply